أثر الاستحسان في المقاصد الخاصة
Abstract
متلحص إن الأدلة التي تستنبط بها الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين نوعان: نوع اتفق العلماء على أنه مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، ونوع اختلف العلماء في اعتباره مصدرا تشريعيا. ويلاحظ أن دليل«الاستحسان» قد أثار اهتمام العلماء وجدلهم قديما وحديثا اهتماما كبيرا، فاختلفت عبارات الأصوليين في تحديد مفهومه فمنها ما يؤدي إلى معنى مقبول إجماعا، ومنها ما يؤدي إلى معنى مردود إجماعا، ومنه ما هو موضع نظر واجتهاد. وقال النحراوي:«إن الاستحسان بالرغم من قدم وجود هذا المصطلح وهو ما يزيد عن ألف سنة من بدء ظهوره إلى عصرنا هذا، لم يحظ بتعريف مستقر ثابت. وربما هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الاستحسان مبدأ يكتنفه الغموض، أو مصطلح يحتاج إلى دراسة لمعرفة حقيقته، أو أنه متشعب الأركان، ومتعدد النواحي والمناحي يتعذر حصره في كلمات موجزة كالتعريف». وبالرجوع إلى كتب الأحناف نجد كثيرا ما جرت كلمة الاستحسان على ألسنتهم بكلمة القياس. فأحيانا يطلق القياس ويراد منه النص الشرعي العام، ومن أمثلته ما جاء عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في رجم الزاني المحصن:«إنا أثبتنا الرجم بالاستحسان على خلاف القياس»، فإن المراد بالقياس هنا النص الشرعي العام. وهو قول الله تعالى:﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾، فإنه نص عام يشمل الزاني المحصن وغير المحصن. ومن فتاواه التي استخدم فيها كلمة الاستحسان ـ فتواه فيمن قضى بجلده لثبوت الزنا عليه فلم يكمل عليه الحد، أو أكمل فشهد شاهدان بإحصانه فإن القياس أن يرجم؛ لأنه محصن لكن الإمام أبا حنيفة يقول في ذلك: «والقياس أن يرجم ولكنا نستحسن فيدرأ عنه حد الرجم وما بقي عليه من الحد لأني أكره أن أرجمه وقد أقمت عليه حد الضرب فيكون قد أقيم عليه حدان في زنا واحد فهذا قبيح لا يستقيم في الاستحسان». وتارة أخرى يطلق القياس ويراد منه القاعدة الشرعية المقررة عند الفقهاء، أو عند بعضهم، ومن أمثلته ما جاء كذلك عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فيمن أكل، أو شرب ناسيا«لولا الرواية لقلت بالقياس»، فإن المراد من القياس هنا أيضا القاعدة المقررة في الصوم وغيره، ولكن روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم بطلان الصوم بالأكل، أو الشرب نسيانا، وعمل به أبو حنيفة وترك تطبيق القاعدة العامة على هذه المسألة.